تعيش بريطانيا حالة تأزم سياسي لم يكن أحد يتخيل حجمها حتى قبل ستة شهور. فقد استقالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي وستغادر مكتبها في غضون أيام. والدعم للحزبين التاريخيين، «العمال» و«المحافظين»، في أدنى مستوى على الإطلاق. وفي انتخابات البرلمان الأوروبي التي أُعدت على عجل في الآونة الأخيرة، تصدر حزب «بريكسيت»، الجديد تماماً المقدمة بينما جاء حزبان مناهضان للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)، هما حزب «الديمقراطيين الأحرار» الصغير في المرتبة الثانية وحزب «الخضر» الأصغر في المرتبة الرابعة. وحل حزب المحافظين الحاكم في المرتبة الخامسة وبفارق كبير.
وإجمالا، تفوقت الأحزاب المناهضة للخروج البريطاني على حزب «بريكسيت» رغم أن البلاد ظلت ملتزمة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وأظهرت بعض استطلاعات الرأي أنه إذا عُقدت الانتخابات البرلمانية غداً، فسيخرج منها حزب الديمقراطيين الأحرار فائزاً بصفة عامة. وهناك أكثر من عشرة أشخاص يتنافسون علنا على قيادة حزب المحافظين وأعضاء من حزب العمال يتناحرون علناً فيما بينهم والحكومة توقفت عن اتخاذ قرارات من أي نوع. وفي خضم كل هذا، يصل الرئيس ترامب إلى لندن. والسؤال هو: لماذا يزور ترامب بريطانيا الآن؟
من الواضح أن ترامب لا يأتي إلى لندن ليعالج أي قضية أو يبرم أي صفقات أو يتفاوض في أي معاهدات، فليس هناك شخص يتفاوض معه. ولكن تقارير ذكرت أنه يعتزم القول لبريطانيا إنه سيقطع التعاون الاستخباراتي معها إذا استمرت في نشاطها الاقتصادي مع شركة هاواوي الصينية.
وخلال زيارته السابقة إلى بريطانيا أهان رئيسة الوزراء وأحرج الملكة اليزابيث الثانية، واستطاع أن يستفز صحيفة «ذي صن» الشعبية المملوكة لروبرت ميردوخ التي هاجمته واصفة إياه بأنه «متودد زائف». وأثناء تلك الزيارة كان هناك 77% من البريطانيين لا يؤيدون الرئيس الأميركي وليس هناك ما يدل على أن هذه النسبة تحسنت.
ومن وجهة نظر لندن أيضاً، فالزيارة بلا مغزى؛ فكل المحاولات البريطانية لتلطيف الأجواء مع ترامب وخطب وده باءت بالفشل. وجهود «ماي» لصياغة شكل للعلاقة مع ترامب أدت إلى أثر عكسي مما أضر بشعبيتها الضعيفة أصلا. وخوفاً من الآثار السلبية، أعلن زعماء حزبي العمال والديمقراطيين الأحرار أنهم لن يحضروا مأدبة الترحيب بترامب. وأعلنت دوقة ساسكس، وهي الممثلة الأميركية السابقة ميجان ماركل، أنها لن تجتمع مع رئيس الولايات المتحدة. لكن أعضاء آخرين من الأسرة الملكية سيضطرون لمقابلته.
لكن ترامب سينجز شيئاً أكثر أهمية، إذ سيحظى بفرصة التقاط صور مع مشاهير عالميين، مثل الملكة وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز والأميرين وليام وهاري الذين سيكونون هناك للقيام بواجبهم المنوط بهم.
ولعلنا نتذكر أن العدد الكبير من كاميرات التلفزيون والأضواء كان أكثر ما أثّر على الرئيس الأميركي في قمته مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في سنغافورة، حيث قال لأحد المصورين: «هل تلتقط صورة جيدة؟ هل نبدو بشكل جيد ولنا طلعة ومحيا جميل ونبدو رائعين؟».
في أي مكان يذهب إليه ترامب، يشعر الرئيس الأميركي بالسأم من اجتماعات العمل، مما ينعكس على مزاجه مع مَن يحضرونها. ولا يمكنه أن يبرم صفقات أو يتفاوض لأنه لا يعرف الكثير عن القضايا. لكن حين تكون هناك بهرجة وأبّهة، مثل استعراض الاحتفال بيوم الباستيل في فرنسا أو وقوف الحرس الملكي خارج قلعة وندسور في بريطانيا، فإنه يظهر الشعور بالرضا والبهجة. وتكلفة هذه الزيارة هائلة مثل أي زيارة رئاسية أخرى. فالدولة البريطانية ستنفق 18 مليون جنيه إسترليني (نحو 22 مليون دولار) كي توفر الأمن لرئيس الولايات المتحدة. ودافعو الضرائب الأميركيون سينفقون أضعاف هذا المبلغ، وستهدر مئات من ساعات العمل في الإعداد للزيارة.
*مؤرخة وأستاذة بمدرسة لندن للاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وإجمالا، تفوقت الأحزاب المناهضة للخروج البريطاني على حزب «بريكسيت» رغم أن البلاد ظلت ملتزمة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وأظهرت بعض استطلاعات الرأي أنه إذا عُقدت الانتخابات البرلمانية غداً، فسيخرج منها حزب الديمقراطيين الأحرار فائزاً بصفة عامة. وهناك أكثر من عشرة أشخاص يتنافسون علنا على قيادة حزب المحافظين وأعضاء من حزب العمال يتناحرون علناً فيما بينهم والحكومة توقفت عن اتخاذ قرارات من أي نوع. وفي خضم كل هذا، يصل الرئيس ترامب إلى لندن. والسؤال هو: لماذا يزور ترامب بريطانيا الآن؟
من الواضح أن ترامب لا يأتي إلى لندن ليعالج أي قضية أو يبرم أي صفقات أو يتفاوض في أي معاهدات، فليس هناك شخص يتفاوض معه. ولكن تقارير ذكرت أنه يعتزم القول لبريطانيا إنه سيقطع التعاون الاستخباراتي معها إذا استمرت في نشاطها الاقتصادي مع شركة هاواوي الصينية.
وخلال زيارته السابقة إلى بريطانيا أهان رئيسة الوزراء وأحرج الملكة اليزابيث الثانية، واستطاع أن يستفز صحيفة «ذي صن» الشعبية المملوكة لروبرت ميردوخ التي هاجمته واصفة إياه بأنه «متودد زائف». وأثناء تلك الزيارة كان هناك 77% من البريطانيين لا يؤيدون الرئيس الأميركي وليس هناك ما يدل على أن هذه النسبة تحسنت.
ومن وجهة نظر لندن أيضاً، فالزيارة بلا مغزى؛ فكل المحاولات البريطانية لتلطيف الأجواء مع ترامب وخطب وده باءت بالفشل. وجهود «ماي» لصياغة شكل للعلاقة مع ترامب أدت إلى أثر عكسي مما أضر بشعبيتها الضعيفة أصلا. وخوفاً من الآثار السلبية، أعلن زعماء حزبي العمال والديمقراطيين الأحرار أنهم لن يحضروا مأدبة الترحيب بترامب. وأعلنت دوقة ساسكس، وهي الممثلة الأميركية السابقة ميجان ماركل، أنها لن تجتمع مع رئيس الولايات المتحدة. لكن أعضاء آخرين من الأسرة الملكية سيضطرون لمقابلته.
لكن ترامب سينجز شيئاً أكثر أهمية، إذ سيحظى بفرصة التقاط صور مع مشاهير عالميين، مثل الملكة وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز والأميرين وليام وهاري الذين سيكونون هناك للقيام بواجبهم المنوط بهم.
ولعلنا نتذكر أن العدد الكبير من كاميرات التلفزيون والأضواء كان أكثر ما أثّر على الرئيس الأميركي في قمته مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في سنغافورة، حيث قال لأحد المصورين: «هل تلتقط صورة جيدة؟ هل نبدو بشكل جيد ولنا طلعة ومحيا جميل ونبدو رائعين؟».
في أي مكان يذهب إليه ترامب، يشعر الرئيس الأميركي بالسأم من اجتماعات العمل، مما ينعكس على مزاجه مع مَن يحضرونها. ولا يمكنه أن يبرم صفقات أو يتفاوض لأنه لا يعرف الكثير عن القضايا. لكن حين تكون هناك بهرجة وأبّهة، مثل استعراض الاحتفال بيوم الباستيل في فرنسا أو وقوف الحرس الملكي خارج قلعة وندسور في بريطانيا، فإنه يظهر الشعور بالرضا والبهجة. وتكلفة هذه الزيارة هائلة مثل أي زيارة رئاسية أخرى. فالدولة البريطانية ستنفق 18 مليون جنيه إسترليني (نحو 22 مليون دولار) كي توفر الأمن لرئيس الولايات المتحدة. ودافعو الضرائب الأميركيون سينفقون أضعاف هذا المبلغ، وستهدر مئات من ساعات العمل في الإعداد للزيارة.
*مؤرخة وأستاذة بمدرسة لندن للاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»